طرح هوجو باتشيجا، مراسل هيئة الإذاعة البريطانية لشؤون الشرق الأوسط، تساؤلات حول كيفية نظر الإسرائيليين إلى تصاعد المعارضة العالمية للحرب في غزة وما إذا كانت ستترك أثراً دائماً على عزلة إسرائيل المتزايدة. ففي أواخر يوليو، بينما ناقشت الحكومة الإسرائيلية توسيع العمليات العسكرية، تجمع أقارب الرهائن اللذين تحتجزهم حماس أمام مكتب رئيس الوزراء في القدس. رفعوا صور ذويهم وارتدوا الشرائط الصفراء التي ترمز إلى محنتهم، ودعوا إلى صفقة تبادل تنهي الحرب.

أوضح موقع تشاتام هاوس أن كثيراً من هذه العائلات اتهمت بنيامين نتنياهو بإطالة أمد الحرب لأغراض سياسية. يعتمد نتنياهو على وزراء يمينيين متطرفين يطالبون علناً بإقامة مستوطنات يهودية في غزة وهددوا بالانسحاب من الائتلاف إذا أبرمت الحكومة اتفاقاً لإنهاء الحرب، ما قد يؤدي إلى سقوطها. في الوقت نفسه، رفض نتنياهو فتح تحقيق رسمي في إخفاقات السابع من أكتوبر، بينما يواجه محاكمة بتهم فساد قد تزجه في السجن، رغم نفيه المتكرر.

خارج إسرائيل، واجهت خطط الحكومة معارضة قوية. عمّقت أزمة الجوع في غزة عزلة إسرائيل، حتى أن حلفاء مقربين وجّهوا إليها اللوم. أنكرت تل أبيب مسؤوليتها ووصفت التقارير بأنها "أكاذيب حماس"، فيما واصلت منع الصحفيين الأجانب من دخول القطاع. بعد أيام من مظاهرات عائلات الرهائن، صادقت الحكومة على توسيع العمليات، لتزيد التوتر مع العالم. صحيفة "إسرائيل اليوم" الموالية لنتنياهو وصفت البلاد بأنها "دولة منبوذة".

 

الغضب العالمي المتصاعد

أشعلت حصيلة الضحايا في غزة موجة غضب غير مسبوقة. فقد أطلقت إسرائيل الحرب رداً على هجمات حماس التي أوقعت نحو 1200 قتيل وأسرت أكثر من 250 شخصاً. بعد قرابة عامين، تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين 63 ألفاً وفق السلطات الصحية المحلية، فيما أكدت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة الشهر الماضي أن المجاعة تفشت في أجزاء من القطاع. وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الأزمة بأنها "من صنع البشر"، بينما اتهمت منظمات حقوقية وباحثون إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، وهو ما رفضته تل أبيب.

أدى مشهد الدمار إلى تعزيز النظرة السلبية لإسرائيل. أظهر استطلاع لمعهد "بيو" في يونيو أن غالبية البالغين في 20 من أصل 24 دولة لديهم رؤية غير إيجابية تجاه إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة. وأشار مسح لمعهد "جالوب" في مارس إلى أن الدعم الشعبي الأميركي لإسرائيل تراجع إلى أدنى مستوى خلال 25 عاماً، فيما أبدى ثلث المشاركين تعاطفاً مع الفلسطينيين، وهو رقم قياسي.

قال هيو لوفات، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن صورة إسرائيل تدهورت حتى لدى قواعد يمينية لطالما وقفت معها. استشهد بتململ داخل حركة "ماغا" المؤيدة لدونالد ترامب، إذ نُقل عنه قوله لأحد المانحين اليهود: "أنصاري بدأوا يكرهون إسرائيل". رغم ذلك، بقي ترامب داعماً أساسياً، ما يمنح إسرائيل مظلة حيوية وهي تتلقى مليارات من المساعدات العسكرية الأميركية.

تزايد الضغط على حكومات غربية دفَع بعضها، مثل بريطانيا، إلى التعهد بالاعتراف بدولة فلسطينية، فيما ارتفعت المطالب بفرض عقوبات وحظر تسليح. داخل إسرائيل، انقسمت الآراء على خطوط مألوفة: تقدميون أبدوا استعداداً للنقد الذاتي، بينما تبنى المحافظون خطاباً دفاعياً.

 

جيل جديد وخطاب قديم

أظهرت شهادات من القدس هذا الانقسام بوضوح. قالت إستير، شابة متدينة في الحادية والثلاثين، إن إسرائيل ستُدان "مهما فعلت"، معتبرة أن انتقاد الغرب ليس سوى محاولة سياسية لكسب الشعبية. شالوم، رجل في الثالثة والسبعين من اليهود الحريديم، أكد أنه لا يجب الإصغاء للعالم "الذي ينظر إلينا دوماً بسلبية". في المقابل، رأى يوآن، شاب علماني يبلغ 21 عاماً، أن العزلة تتفاقم: "في بداية الحرب كان هناك دعم واسع، أما الآن فلا أرى سياحاً هنا، والمجتمع يبدو أكثر انغلاقاً".

وصف لوفات نهج الحكومة الإسرائيلية بأنه "كتيب لعب مألوف"، يقوم على اتهام أي نقد بمعاداة السامية. لكنه رأى أن الإفراط في هذا الاستخدام أفقد الاتهامات فعاليتها. من جانبها، قالت ميخال هاتويل رادوشيتسلي، المستشارة البارزة في مؤسسة "مايند إسرائيل"، إن المجتمع الإسرائيلي يعيش تحت "ظل صدمة السابع من أكتوبر"، مؤكدة أن "الوعي موجود بالانطباع السلبي لإسرائيل في العالم، لكن لا توجد رؤية سياسية واضحة لمستقبل النزاع".

 

بوادر تحول داخلي

تزايدت التظاهرات داخل إسرائيل للمطالبة بإنهاء الحرب، ليس فقط من أجل الرهائن بل أيضاً بسبب ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين في غزة. رفع مشاركون صور أطفال فلسطينيين قُتلوا جراء القصف. وأظهر استطلاع أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" الشهر الماضي أن نحو ثلثي الإسرائيليين يؤيدون صفقة مع حماس لإنهاء الحرب. الدعم كان كاسحاً في أوساط اليسار، بينما انقسم اليمين.

ترى هاتويل رادوشيتسلي أن الانقسام المجتمعي عميق، لكن جيلاً عالمياً جديداً يحمل مواقف أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين، وهو ما قد يؤثر على السياسات الغربية مستقبلاً. ختم لوفات بالقول إن استمرار الحرب سيجعل هذه التحولات الجيلية راسخة أكثر، لتترك أثراً طويل الأمد على مكانة إسرائيل وعلاقاتها.
 

https://www.chathamhouse.org/publications/the-world-today/2025-09/are-israeli-views-shifting-war-gaza